أحمد عبد الملك يكتب: الإعلام واللغة في “اليونسكو”

أحمد عبد الملك يكتب: الإعلام واللغة في “اليونسكو”

على مدى يومين شهد مقر منظمة “اليونسكو” مداولات احتفالية اليوم العالمي للغة العربية، بناءً على الخطة الدولية لتنمية الثقافة العربية، والتي أشرف عليها السفير الدكتور زياد الدريس، المندوب الدائم للمملكة العربية السعودية لدى المنظمة الدولية.

وقد حاضر في الاحتفالية مثقفون وإعلاميون عرب، إضافة إلى بعض أهل التجارب المؤسسية في دعم اللغة العربية.

وشملت المداولات العناوين التالية: هل أدّت المؤسسات الثقافية واجباتها في تعزيز انتشار اللغة؟ تأثير استخدام اللغات الأجنبية واللهجات العامية على اللغة العربية، أثر المبادرات التشجيعية في خدمة اللغة العربية، قصص نجاح في خدمة اللغة العربية، دور الإعلام في انتشار اللغة العربية أو انحسارها.

وقالت المديرة العامة لليونسكو، إيرينا بوكوفا، في افتتاح الاحتفالية: “نحن نحتفل بلغة أثرَت جَمال العالم، وهي قوة للوحدة وخلق المعرفة وتدعيم القيم الإنسانية”. ودعت إلى نشر اللغة العربية ودعم التعليم بها.

وكان هنالك اتجاهٌ نحو عدم الانغلاق على اللغة العربية، وضرورة جعلها لغة العصر، بكل ما تحتوية وما يُداخلها من كلمات أجنبية طارئة. وهنالك من رأى أن الموضوع تاريخي ثقافي، ولابد للغات أن تتلاقح وتندمج، ومن غير الضروري الدعوة إلى “صيانة” اللغة العربية مما يُداخلها من كلمات أو موضوعات تصب في قضية التواصل الإنساني.

كانت لي مداخلة في محور الإعلام ودوره في انتشار اللغة العربية أو انحسارها. وفي حقيقة الأمر، ومن مشاهداتنا اليومية، نستطيع القول إن الصحافة المقروءة من أهم القنوات الإعلامية التي تحفظ اللغة العربية وتساعد على انتشارها، خصوصاً مع وجود الإنترنت التي تنقل اللغة العربية إلى مجالات جغرافية أرحب.

أما بالنسبة لمحطات الإذاعة والتلفزيون، فنلاحظ أن أكثر من 80% من أوقات برامج هذه المحطات يبثّ باللهجة العامية لبلد المحطة. وقد يكون هذا مقبولاً في عصر ما قبل استخدام الأقمار الصناعية، أما اليوم فإن كل المحطات الإذاعية والتلفزيونية تُنقل عبر الأقمار الصناعية والإنترنت، بمعنى أنها تُسمع وتُشاهد في كل أنحاء العالم، وهذا يُحتّم أن يكون ذالك البث مُستوعَباً لدى الطرف الآخر، وبدون اللغة العربية لن تصل الرسالة الإعلامية بصورة كاملة. فنحن في الشرق العربي لا نستوعب لغة المسلسلات المغربية أو التونسية مثلاً، وهُم تُشكل عليهم اللهجةُ الخليجية، وإن كانت اللهجة المصرية استثناءً هنا، لأن الجمهور العربي درجَ عليها عبر الأفلام السينمائية والأغاني والمسرحيات والمسلسلات.

ونلاحظ محدودية استخدام اللغة العربية الفصحى في البث الإذاعي والتلفزيوني، ففي ما عدا نشرات الأخبار والبرامج الدينية، فإن معظم ساعات البث تكون باللهجة المحلية. لذا، نستطيع القول بأن الإعلام بشقّية الرسمي والأهلي يسهم مساهمة سلبية في دعم اللغة العربية، بل إنه يزيدُ في “عامية” أهل العربية، وعدمِ إقبالهم على القراءة السليمة. علماً بأن جيلَ الشباب اليوم، نادراً ما يُشاهِد قنواتِ الإعلام العربي! قمتُ باستبيان لطالبات الجامعة، ولاحظت أن العينة، وإن كانت صغيرة (25 طالبة)، لا تشاهد التلفزيون المحلي إلا في شهر رمضان، ومن أجل المسلسلات فقط، والتي تبثُ بلهجات مصرية سورية وخليجية. ونادراً ما يكون هناك مسلسل بالفصحى. والأنكى أن تلجأ بعضُ المحطات التلفزيونية العربية إلى بث مسلسلات تركية وهندية ومكسيكية مدبلجة باللهجة السورية أو اللبنانية، وهذا يشوهُ العمل، ويضرُّ باللغة العربية الفصحى.

وإذا ما أتينا إلى “لغة العصر الاتصالية”، نلاحظ: استخدام لغة الأرقام والاختصارات الأجنبية التي لا صلة لها باللغة العربية، واستخدام اللهجة العامية بصورة ركيكة وغير مفهومة أحياناً،

كثرة الوقت الذي يقضيه الشباب مع الهاتف النقال يصرفهم عن الكتاب وحتى عن التلفاز.

إن محاولات اليونسكو لحفظ اللغة العربية تواجه بصدّ وتخريب من قبل بعض المؤسسات التي توظف آلاف الإعلاميين الذين لا يتقنون العربية وينشرون اللهجات المحلية، بدلاً منها، في الفضاء العربي.

مقال رأي للكاتب الإماراتي د. أحمد عبد الملك نقلا عن صحيفة الاتحاد الإماراتية


إضافة تعليق