اللغة وكما تشير بعض المصادر، هي نسق من الإشارات والرموز، يشكل أداة من أدوات المعرفة، وتعتبر اللغة أهم وسائل التفاهم والاحتكاك بين أفراد المجتمع في جميع ميادين الحياة. وبدون اللغة يتعذر نشاط الناس المعرفي. وترتبط اللغة بالتفكير ارتباطًا وثيقًا؛ فأفكار الإنسان تصاغ دومًا في قالب لغوي، حتى في حال تفكيره الباطني. ومن خلال اللغة فقط تحصل الفكرة على وجودها الواقعي. كما ترمز اللغة إلى الأشياء المنعكسة فيها. وقد عرف القدماء اللّغة بأنها أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم ولم تستطع التعريفات الحديثة للغة أن تتجاوز هذا التعريف الموضوعي.
وعرّف علماء النفس اللّغة، فرأوا أنها مجموعة إشارات تصلح للتعبير عن حالات الشعور، أي عن حالات الإنسان الفكرية و العاطفية و الإرادية، أو أنها الوسيلة التي يمكن بواسطتها تحليل أية صورة أو فكرةٍ ذهنيةٍ إلى أجزائها أو خصائصها، والتي بها يمكن تركيب هذه الصورة مرّة أخرى بأذهاننا و أذهان غيرنا، وذلك بتأليف كلماتٍ و وضعها في ترتيبٍ خاصٍ، وتنقسم لغات العالم إلى عائلات لغوية، كاللغات الأفريقية الآسيوية واللغات الهندية الأوروبية، حيث تحوي كل منها عددًا من اللغات ذوات الأصول والخصائص المتشابهة.
وتؤكد بعض المصادر المتخصصة على عدم وجود إحصائية رسمية متفق عليها عالمياً بعدد المتحدثين بلغة ما، وهناك عدد مختلف من المصادر وبأرقام فد تكون متباينة. وتقول بعض المراجع إن عدد اللغات هو ما بين أربعة آلاف وخمسة آلاف. ولكن تشير بعض التقديرات إلى أن العدد الحقيقي يتراوح ما بين ثلاثة آلاف وعشرة آلاف لغة. ولاتزال اللغة محط اهتمام الكثير من الباحثين خصوصا وان البعض يرى ان هناك شعوب وقبائل تعيش في مناطق مختلفة من العالم تتحدث لغات خاصة لاتزال بعيدة عن الاهتمام او أنها غير مكتشفة وهو ما قد يزيد عدد اللغات الحالية، يضاف الى ذلك اللغات الأخرى التي بدأت بالاندثار والتلاشي بسبب عدم الاهتمام بها.
في السياق ذاته أظهرت دراسة جديدة، أن اللغة العربية صُنفت على أنها أكثر أهمية من نظيرتها الفرنسية للتعلم من قبل الطلاب في المدارس البريطانية. ووجدت الدراسة، التي أصدرها المجلس الثقافي البريطاني ونشرتها صحيفة اندبندنت، أن اللغة الصينية الشمالية المعروفة باسم الماندرين، تقدمت على اللغة الألمانية بالنسبة لطلاب المدارس البريطانية، فيما ظلت الإسبانية اللغة الأكثر طلباً للتعلم من قبلهم.
وقالت الدراسة إن هناك نقصاً مثيراً للقلق من البريطانيين القادرين على التحدث بأي لغة من 10 لغات حددتها، بعد أن تبين أن 75% منهم غير قادرين على التحدث بطلاقة بأي واحدة من هذه اللغات. وأضافت الدراسة أن 15% من البريطانيين فقط يتحدثون اللغة الفرنسية بطلاقة، و6% اللغة الألمانية، و4% اللغة الاسبانية، و2% اللغتين العربية والإيطالية، و1% لغات الماندرين والروسية واليابانية، وأقل من واحد من كل 100 بريطاني اللغتين البرتغالية والتركية.
وأشارت إلى أن أهمية تعلم اللغة العربية برزت بعد ظهور ستة بلدان ناطقة بالعربية بين أكبر أسواق التصدير للمملكة المتحدة، وتدر سنوياً على الاقتصاد البريطاني أكثر من 12 مليار جنيه استرليني، أي ما يفوق قيمة صادرات المملكة المتحدة إلى اسبانيا أو الصين أو إيطاليا. ولفتت الدراسة إلى أن العربية صارت واحدة من اللغات ذات الأولوية بالنسبة إلى وزارة الخارجية البريطانية، وتخطط لزيادة عدد دبلوماسييها الناطقين باللغة العربية بنسبة 40%. بحسب يونايتد برس.
وقال مدير قسم الاستراتيجية في المجلس الثقافي البريطاني جون وورن، إن المملكة المتحدة تحتاج إلى تعليم المزيد من مواطنيها اللغات الفرنسية والإسبانية والألمانية إلى جانب اللغات العربية والصينية واليابانية، وما لم تتحرك لمعالجة النقص ستخسر اقتصادياً وثقافياً.
على صعيد متصل لجأت سنغافورة الى ممثل كوميدي شهير لديها ليعطي سكان الجزيرة دروسا في قواعد اللغة وذلك في اطار جهودها المتواصلة منذ فترة طويلة لتشجيع الاستخدام الصحيح للغة الانجليزية خشية ان يؤثر ضعف المهارات اللغوية على شهرتها كمركز لأنشطة الأعمال. ويجد الأجانب الذين يزورون جزيرة سنغافورة الصغيرة الغنية أنفسهم وقد انغمسوا في محادثة محرجة مع بعض السكان الذين يتحدث الكثيرون منهم لغة انجليزية ركيكة بلهجة صينية أو بلكنة لغة الملايو.
ورغم الحملة المستمرة منذ 15 عاما لتحسين مستوى ممارسة اللغة الانجليزية في هذه الدولة فان معظم السكان البالغ عددهم نحو 5.4 مليون نسمة واصلوا مقاومتهم لما يرون انها قيود تؤثر على مقومات التكامل في ثقافتهم. وأطلقت حركة تسمى “تحدث لغة انجليزية سليمة” حملة للنهوض بمستوى اللغة واستعانت بأشهر ممثل كوميدي في سنغافورة يقلد النساء يدعى كومار ليقوم بدور “ملكة القواعد” في سلسلة من شرائط الفيديو التي توبخ فيها الملكة رعاياها بسبب طريقة استخدامهم للغة. بحسب رويترز.
وقال ادريان تان وهو محام وعضو لجنة الحركة الجديدة “نحن نتحدث لغة انجليزية أفضل من جيراننا وهذا هو السبب في ان الناس يأتون الى هنا. لكن ثقتنا أصبحت مفرطة بشأن وضعنا.” وقال “في يوم من الايام في الصين سيتحدثون لغة انجليزية أفضل منا وعندها سنواجه متاعب.”
الى جانب ذلك وعملا بالمثل القائل “اعرف لغة عدوك”، انضمت الصحافية في التلفزيون الفلسطيني دلال سعيد مع صحافيين اخرين الى دورة لتعلم اللغة العبرية لكي يتسنى لهم الاطلاع على الاخبار بصورة أفضل والحصول عليها من مصادرها. وانضم نحو ثلاثين صحافيا الى الدورة التي تنظم في كلية خاصة في رام الله في الضفة الغربية المحتلة، لتلقي الدروس لمدة ساعتين كل ثلاثاء على مدى ستة اسابيع.
تقول دلال سعيد “كنت دائما اتمنى تعلم العبرية، على قاعدة اعرف لغة عدوك ولكن لم تتسن لي الفرصة، لذلك سارعت فورا للالتحاق والالتزام بها اليوم”. ويقول عماد فريج الذي يعمل في اسبوعية بانوراما وكان الصحافي العربي الوحيد ضمن الموكب الرسمي للبابا في زيارته للمنطقة العام الماضي “تعلم اللغة العبرية بالنسبة للصحافيين الفلسطينيين مهم لانه يمكنهم من الاطلاع مباشرة على ما تنشره وسائل الاعلام العبرية”. ويضيف “نحن نعيش مع دولة احتلال، ويجب ان تكون لدينا القدرة على معرفة ماذا يقوله الاعلام العبري، بل ونتجاوز مرحلة ما يقولونه لنصل الى القدرة على التحليل”.
والصحافيون المشاركون في الدورة من مؤسسات اعلامية محلية خاصة، وتابعة للسلطة الفلسطينية، ومن دوائر اعلامية في مؤسسات حكومية، ومنهم من يعمل في وكالات عربية. وبالاضافة الى تدريس اللغة، يشرح استاذ المادة، وهو فلسطيني من القدس مختص باللغة العبرية، معنى الكلمات في سياقها الاجتماعي والتاريخي. ففي الحصة الرابعة التي ركز فيها على تعليم الالوان، تحدث عن كلمة “شحور” ومعناها اسود وشرح انها قد تستخدم للحديث عن الافارقة، وكيف ان بعض الاسرائيليين قد يستخدمون كلمة “كوشيم” بدلا من ذلك وهي كلمة ذات مضمون عنصري.
ويقول الصحافي علي عبيدات، احد منظمي الدورة “بات الاعلام العبري مصدرا رئيسيا للاحداث التي تتعلق بالصراع الفلسطيني الاسرائيلي، في وقت يغيب المصدر الفلسطيني”. ويتابع “كثير من الاخبار التي يتم تناقلها في الاعلام الفلسطيني يتم اسنادها وهي مترجمة الى مصادر اعلام عبرية، دون وجود القدرة لدى كثير من الصحافيين للتاكد من المصدر العبري”.
وتنشر الكثير من الاخبار في وسائل الاعلام الفلسطينية، استنادا الى مصادر اعلام اسرائيلية، بخاصة المتعلقة بحوادث القتل والاشتباكات بين الجانبين، حيث تعتمد الاخبار بالمطلق على المصادر العبرية. ويقول عبيدات الذي يعمل صحافيا لدى موقع امارات 24 “معرفة العبرية تمكننا من التأكد من مصداقية المعلومة”.
ويورد عبيدات مثالا على سوء استقاء المعلومة عن حادث سير نشرته اعلام فلسطينية استنادا الى مصادر عبرية، وقالت فيه ان “سبعة اسرائيليين قتلوا في حادث سير”، لكن تبين لاحقا انهم فلسطينيون كانوا عائدين من الصلاة في المسجد الاقصى. ويقول رئيس مجلس ادارة الكلية العصرية ناصر الشيوخي “تعلم العبرية مهم خلال تغطية المواجهات بين الشبان والجيش الاسرائيلي خصوصا للمصورين الذين يحتكون مباشرة مع الجيش. اذا فهمت لغة عدوك ستعرف كيف تتعامل معه”.
ويشرح الشيوخي ان الكلية خصصت ثلاثة مساقات للغة العبرية لطلبة الاعلام البالغ عددهم حوالي 200 طالب وطالبة من اصل حوالي 2500 طالب يدرسون فيها. ويتحدث كثير من الفلسطينيين العبرية، فقد كان نحو 150 الف فلسطيني يعملون في اسرائيل قبل اندلاع الانتفاضة الثانية في سنة 2000. ولكن الدولة العبرية سحبت منهم بعدها تصاريح العمل. بحسب فرانس بؤس.
وفي القدس الشرقية المحتلة غالبا ما يتحدث الفلسطينيون العبرية ولكنهم يستعينون بالعرب الاسرائيليين الذين يتقنونها وخصوصا في المسائل القانونية وللدفاع عنهم امام المحاكم الاسرائيلية. كما تعلم كثير من الفلسطينيين العبرية في السجون الاسرائيلية للتواصل مع الحراس. وتقول دلال سعيد “انا اصلا اؤيد تدريس العبرية في مدارسنا، لانه ضروري جدا، واعتقد ان تعلم العبرية بالنسبة لنا اهم من تعلم الانجليزية”.