د. أحمد عبدالملك يكتب: صعوبة اللغة العربية

د. أحمد عبدالملك يكتب: صعوبة اللغة العربية

على مدى أربعة وثلاثين عامًا درّستها في جامعة قطر وكلية المجتمع، واجهتُ مع الطلبة والطالبات معضلة صعوبة اللغة العربية! ورغم محاولاتي المتعددة لتبسيط اللغة العربية عبر النماذج البصرية وتبسيط قواعد النحو، وأنها ليست صعبة كما يتراءى لكثيرين، إلا أن المشكلة مازالت حاضرة منذ عام 1983 واليوم.

هل السبب يكمن في المنهج أم في (الموِّصل) أي مُدرس المادة؟ نحن كلنا بشر! فكيف يعشق بعضنا اللغة العربية، ويدرسها بتعمق في الجامعة! وكيف يُصبح أحد زملائنا حجةً في شرح نحو اللغة العربية وبديعها؟ وهو الأخ عبدالله الجابر الذي كنا نحتكم إليه في نقاشاتنا الطويلة حول معضلات اللغة عندما كنا طلبة في جامعة بيروت العربية في بداية السبعينيات؟

أٌلاحظ – في المرحلة الجامعية – عدم تفريق الطلبة والطالبات بين همزة الوصل وهمزة القطع! وعدم الانتباه للتنوين، أو نصب المفعول به، أو تحديد خبر (كان)!

هل كان للقراءة في الستينيات دور في إتقان أهل ذاك الزمان للغة العربية؟ هل كان الأساتذة أكثر قدرة على توصيل المعلومة إلى الطالب؟ مع كل التقدير لأساتذة هذا الوقت!

أنا أشعر أن اللغة العربية لغة موسيقى، ولا يستقيم اللحن أو الأداء إلا بإتقان اللغة، كما أن هذه اللغة هي لغة القرآن الكريم، والمُصلّي يتلو آيات القرآن (مجودة ومُقوعَدة على النحو العربي)، فكيف لا يمكنه تطبيق تلك الآيات وإعرابها في الكتابات الأخرى؟ (على فكرة كم يعاني المُصححون في الصحف في تصحيح مقالات بعض الكتاب، الذين نجدهم يخطئون أخطاء قاتلة في وسائل التواصل الاجتماعي)!

لقد صدر قرار من حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى باعتماد اللغة العربية في كافة مؤسسات الدولة، ولكن للأسف، ما زالت بعض المؤسسات تتجاهل اللغة العربية!

أعتقد بأننا بحاجة إلى حملة، بعيدًا عما نسمعه من شعارات لتأكيد دور اللغة العربية، والحملة هذه تحتاج إلى تكاتف المؤسسات التربوية والإعلامية.

ولئن كانت المؤسسات الإعلامية توظف مذيعين ومذيعات لا يدركون كيف يقع خبر (كان)، أو كيف نتصرف مع الممنوع من الصرف؟ فكيف لنا أن نوجد جيلًا يتقن اللغة العربية ويدافع عنها.

الإلمام باللغة العربية قضية حضارية، وكل هؤلاء الذين لا يأبهون بهذه اللغة العظيمة، أو لا يريدون أن يتعبوا في إجادتها، ونسمعهم يلحَنون في وسائل الإعلام، مع اللحظة، عندما يأتيهم بيانٌ رسمي، سوف يتساقطون مع الزمن، لأن التواصل الإعلامي المفهوم لا بد وأن يكون عبر اللغة العربية، خصوصًا في ظل البث الفضائي الذي ينقل الصوت والصورة إلى كل مناطق العالم.

وكلمة للمخططين الإعلاميين: هل أنتم تشاهدون مسلسلًا مغربيًا أو موريتانيًا باللهجة المحلية؟ مع كل التقدير لذلك الإنتاج وأهله.

إذن فإن هذا الصرف على برامج باللهجة المحلية يجب أن يُطبق عليه ذاتُ الميزان!

لا بأس من اللجوء إلى اللغة البيضاء أو الوسطى، ولكن لا يجوز هنا أن نقول “أعزائي المشاهدون؟” وكلمة المشاهدين في حالة نداء وتكون منصوبة، أو أن يقول مذيع “في الحادي والعشرون من هذا الشهر”، لأن العشرين معطوف على مجرور، لذا وجب جرّه بالياء!

اللغة العربية ليست صعبة، لكن الذين “يستَسلهون” الإعلام والصحافة يجعلون منها صعبة! أو يعتمدون على المُصححين الذين يتعبون في ذلك.

إن جيل المرحلة الجامعية اليوم، سوف يتسلم أمورَ الناس بعد ثلاث أو أربع سنوات، ولسوف يقوم بكتابة المذكرات والخطابات، وقد يصل من هذا الجيل إلى منصب مدير مكتب الوزير، بل ولربما منصب الوزير!! فكيف سوف يتعامل مع المذكرات، ويرد عليها؟

أدعو إلى حملة واقعية تؤكد أهمية اللغة العربية وتحفظ لهذا الجيل هويته وثقافته العربية.

مقال رأي للكاتب القطري د. أحمد عبدالملك نقلا عن صحيفة الشرق القطرية


إضافة تعليق