ليون برخو يكتب: جامعة قطر واللغة العربية

ليون برخو يكتب: جامعة قطر واللغة العربية

كانت بادرة طيبة تلك التي قامت بها جامعة قطر مؤخراً. لقد أصبح الآن لزاماً على الجامعة وكلياتها وأقسامها، القيام بالمراسلات فيما بينها بلغة الضاد.

أن تكون اللغة العربية وسيلة التعليم والدراسة والتواصل والمراسلة في الجامعة، فلعمري هذا أمر محبب ويثنى عليه.

ربما ليس هناك لغة في الدنيا جذورها تضرب في أعماق ثقافة، وتاريخ، وتراث، ووجدان الناطقين بها، مثل لغة الضاد.

بيد أنني سأتجاوز مؤقتا هذا الموضوع الحيوي، حول علاقة اللغة بالثقافة والهوية، وسأركز في هذا المقال على العلاقة بين جامعة قطر واللغة العربية.

فإنني وأنا أناقش دور اللغة العربية في جامعة قطر، سأتكئ على تجربتي كمترجم، ومن ثم كباحث، مسلطاً الضوء على التجربة السويدية في هذا المضمار، وبعض التجارب الأخرى، لا سيما على المستوى الجامعي.

ففي السويد، التمكن من ناصية اللغة الوطنية (السويدية)، والحصول على معدل عال فيها، في مرحلة الثانوية، واحد من المتطلبات الأساسية للالتحاق بالجامعة، وفي كل الاختصاصات من الطب إلى الهندسة والعلوم الصرفة، والطبيعية والتقنية إلى العلوم الإنسانية والاجتماعية.

وفي السويد هناك حركة ترجمة نشطة جداً، ولن أغالي في القول، إذا ما قلت: إن ما يترجم إلى السويدية التي هي لغة حوالي تسعة ملايين نسمة، قد يتجاوز ما يترجم إلى اللغة العربية التي ينطقها حوالي 400 مليون نسمة.

وقد يسأل قارئ ما هو دور اللغة الإنجليزية؟ الإنجليزية لها مكانة كبيرة في التعليم، وهي أيضا متطلب أساسي للالتحاق بالجامعة. يأتي الطالب الى الجامعة وهو معدّ اعداداً حسناً للقراءة والكتابة باللغة الإنكليزية، إضافة الى السويدية.

في الدول الإسكندنافية، التي تعد أكثر الدول حضارة، ومدنية، وتطوراً وازدهاراً في العالم، يرى المسؤولون عن التعليم ـ بكافة مراحله ـ أن اللغة الإنكليزية اليوم صارت إحدى الوسائل الأساسية، للحاق بركب الصناعة والعلوم والتكنولوجيا الحديثة. اليوم أكثر من 90% من الأبحاث العلمية والأكاديمية متوافرة باللغة الإنجليزية. النشر العلمي الرصين، والمؤثر، جلّه اليوم متوافر باللغة الإنجليزية.

عندما غادرت جامعتي السويدية للالتحاق بجامعة قطر، اغتبطت كثيراً لأن التدريس برمته في قسم الإعلام، الذي أنا منتمٍ إليه، يجري باللغة العربية. هذه كانت أول فرصة لي في حياتي كي أدرس بالعربية.

وكنت في شك من أمري ـ لأول وهلة ـ خشية ألا يستسيغ الطلبة التحدث باللغة العربية الفصيحة. بيد أنني اندهشت للحب الجم، الذي يكنه الطلبة للغة الضاد. وأود أن أؤكد أربع نقاط أساسية، استقيتها من تواجدي في الجامعة:

النقطة الأولى تخص الكتب المنهجية. أظن أنه يجب تشجيع الهيئات التدريسية، على تأليف كتب منهجية وباللغة العربية. وهنا أظن أيضاً أنه يجب مكافأة الأستاذ الذي يؤلف كتاباً منهجياً من حيث التقييمُ؛ بشقيه المعنوي (الأكاديمي) والمادي. وكذلك يجب تقييم الكتاب المنهجي، من حيث التحكيمُ الأكاديمي الرصين، فيما يتعلق باللغة العربية، والمادة العلمية، قبل جعله مادة تدريسية ملزمة. النقطة الثانية: تتعلق بتشجيع الأساتذة على الترجمة في اختصاصاتهم، وجعل ترجمة الكتب المنهجية جزءاً أساسياً من التقييم الجامعي بشقيه المعنوي والمادي. وأي كتاب مترجم يجب أن يخضع لتقييم أساتذة اللغة العربية، أو الذين يملكون ناصيتها لضمان سلامة اللغة وسلاستها.

النقطة الثالثة: تخص قرار جعل لغة الضاد لغة التدريس، والبحث، والمراسلة، في كثير من الاختصاصات. هذا قرار سليم. ولكن كي يكون للقرار أبعاده الأكاديمية، والتربوية، والعلمية، والبحثية الرصينة، يجب أن نرفق ذلك بإجراءات تجعل التمكن من ناصية اللغة العربية؛ قراءة وكتابة ـ ضمن المسار الأكاديمي ـ من المتطلبات الأساسية في الجامعة.

والنقطة الرابعة والأخيرة لها علاقة مباشرة مع العملية الأكاديمية، التي في رأيي لن تكون ناجعة في غياب التمكن من اللغة الإنجليزية. الإنجليزية لم تعد اليوم لغة وطنية تخص شعباً محدداً وحضارة محددة. إنها لغة عالمية (لغة العولمة) أولاً، وثانياً: إنها لغة العلم والمعرفة والتكنولوجيا على نطاق العالم.

مقال رأي للكاتب ليون برخو نقلا عن صحيفة الشرق القطرية


(1) تعليق


  • القريب البعيد

    والله ثم والله أن كوني سُعِد بوجودك فيه معلمي سعادة لا مثلها سعادة. مقالك رائع كعادتك معلمي ليون برخو. أرجو أن تكون بخير وعافية. وليون. هنالك في البعيد حنين قريب تائه لا يعلم ماذا يفعل. فهلا تلطف به؟ أرجو أن يصلك تعليقي هذا ليون برخو

    رد

إضافة تعليق