قطريات .. اللغة العربية.. والمواطن ” بقلم / محمد عبدالرحمن آل ثاني “

<!--:ar-->قطريات .. اللغة العربية.. والمواطن  ” بقلم / محمد عبدالرحمن آل ثاني “<!--:-->

هناك ضعف عام لدى المواطن القطري في اللغة العربية حيث يغلب عليه استخدام اللهجة العامية في كثير من شؤون حياته. ونحن لا نقصد هنا فقط المواطن العادي، بل أقصد إلى جانب ذلك، الذين تخــرجوا من الجامعات المختلفة وبعد ذلك أصبحوا موظفين في وزارات الدولة المختلفة ومؤسساتها. وتجد كثيرا من الموظفين لا يحسنون استخدام اللغة العربية كتابة وتحـدثا -ولا نقصد بالتحدث هنا فن الخطابة والبلاغة فيها هذا أمر آخــر- نقصد بالحديث اليومي في مجالات العمل المختلفة والاتصال بمناسبة العمل وغيرها. وكثيرا ما يقعون في أخطاء كثيرة صياغية وإملائية ونحــوية في قواعدها البسيطة، ولا يستوعبون مايقرأون من الكتب والمراسلات، حتى إذا كانت عبارة عن أسطر قليلة ومضمون واحد، فكيف بالمذكرات الفنية الدقيقة المتخصصة، وكتابتها أيضا يلقون صعوبة كبيرة حيث يحتاج الأمر هنا إلى مهارة لغوية عالية. ونحن هنا عندما نتحدث عن اللغة لا نقصد لغة الأصمعي أو الجاحظ، وإنما اللغة البسيطة السهلة في أبسط قواعدها. عندما يعمل موظف عدة سنوات وهو لا يعرف أن يفرق بين الفعل والفاعل ونائب الفاعل والمفاعيل عموما رغم سهولتها، والجملة الفعلية والإسمية..، يعني موضوعات المرحلة الابتدائيةـ لذا، يجــدون صعوبة في تطوير مهاراتهم في العمل والصعوبة تشتد إذا ما عرفنا أن اللهجة مهما كانت ثرية في مفرداتها وفصاحة بعض ألفاظها، أيضا محدودة ولا يستطيع التعبير بها في جميع الظروف والمناسبات في مجالات العمل المختلفة، ولا تساعده كثيرا في لغة التخصص الذي هو متخصص فيه، كما أن الذين يستوعبونها قلة قليلة. في مناسبة ما طلب رفيق لي حاجة له باللهجة القطرية إلا إنه لم يستجب له، فمحدثه ليس قطريا، فغضب قائلا: يجبروننا على الإنجليزي ولا نعرفه، وحتى الذي يحدثك عربي لا يفهمـــك!. وقلت له عدل الصياغة وأعطيته صياغة فصيحة بسيطة، فتمت الاستجابة له على الفور.
والضعف العام في اللغة يؤدي إلى صعوبة الشخص في التعبير عن نفسه حيث ليس لديه إلا عدد قليل من المفردات وما أن تخلص حتى يقع في حيص بيص. وهذا يستتبع أنه لا يكون قادرا على كتابة المذكرات الفنية في مجال تخصصه حيث الضعف هنا عام وخاص، عام بالنسبة للغة نفسها وخاص بالنسبة للغة التخصص بمهنته، وهذا الذي يحدث حيث ضعفه العام ينعكس على ضعفه الخاص في اللغة بطبيعة الحال. ومن حيث الصياغة وترابط الأفكار والفقرات حدث ولا حــرج هنا يظهر الانهيار في الأساس والبناء اللغوي حيث لا يصلح معها التصليح أو التضبيط، وإنما يجب هد البناء وإعادة تركيبه من جديد. ونحن هنا نتحدث عن المواطن الذي درس جميع علومه من المرحلة الابتدائية إلى ما بعد الجامعة باللغة العربية الأمر الذي يحير من أين أتى هذا الضعف وهذا الانهيار العام في اللغة. والكارثة اللغوية عندما تصلك مكاتبات ورسائل من مسؤولين على مستوى مدراء فما فوق تجد فيها أخطاء كبيرة ليست إملائية أو نحـوية فقط، بل من حيث الصياغة والتعبير المراد من الرسالة حيث يريد شيئا والرسالة مكتوبة بصيغة لا تعكس المطلوب من الرسالة ومعارضة له، وأحيانا تفهم المعنى المطلوب من السياق رغم تعارضها وتضاربها لفظا إلا أنها مكاتبات رسمية يجـب إرجاعها لتصحيح المعنى المراد. وكثير من المعاملات في مختلف الدوائر الحكومية تتأخر نتيجة عدم الفهم بسبب الضعف اللغوي. ومن تاريخنا البعيد مثال يعبر عن حجم المأساة، حيث كتبت زبيدة بنت جعفر رسالة إلى أحد الولاة عبارة عن سطرين فقط وهي تعلم أنه سيفهم المراد منها. وعلق عليها أحد الأدباء قائلا لو كتبت هذه الرسالة بلغتنا اليوم لاحتجنا إلى عدة صفحات حتى يفهم المرسل إليه.
ومن الملاحظ أن الذين تخصصوا في دراسة اللغة العربية وآدابها تجــدهم أكثر فهما واستيعابا ويتميزون بسرعة البديهة والقدرة على التعبير وتوصيل الأفكار المطلوبة في حدود الموضوع، ويفوقون بعض المتخصصين في تخصصهم في هذا الجانب. كما أن الحديث والتعامل معهم متعة توفر عليك كثيرا من الجهد والوقت خاصة في نطاق العمل.
والذي لا يفهم لغته الأم من الصعب عليه تعلم العلوم الأخرى أو اكتساب مهارات جديدة أو اكتساب علم جديد ويجـد صعوبة في ذلك، لذا نلاحظ أن الضعف في العلوم الأخــرى وفي العمل بعد ذلك، مصدره الأساسي الضعف في اللغة العربية. ومن هنا نجد أن الاهتمام بها ليس ترفا أو من باب الشكليات فهي تدخــل في صميم الوجــدان الشعوري الذي يصوغ الفكر بعد ذلك،وفي اكتساب العلوم المختلفة وتواصل المجتمع مع نفسه. المواطن القطري يحب لهجته ويحب الحديث بها، وهي أقرب إليه لتعوده عليها واتصالها به في تفاصيل حياته اليومية، إلا أنه أيضا نرى محدوديتها رغم جمالها، حيث يجــد صعوبة في التعبير بها في كل المناسبات ولا تسعفه في التعريف بنفسه عموما. والحــل يبدأ من الأسرة في مخاطبة أبنائهم بها ليألفها في حياته اليومية.


إضافة تعليق